طباعة

*الفيصل: لخضر .خ

 

لاحظنا منذ فترة أن هناك التباس فهمي و معرفي بالنسبة للكثير فيما يتعلق بالفرق بين الصحف الورقية و الصحف الإلكترونية. و يعتقد هؤلاء أن الصحف الورقية هي أكثر أهمية و مصداقية و قدرا من الصحف الإلكترونيةهذا الالتباس شائع بشكل واسع لدى الطبقة " المثقفة و المبدعة " على وجه الخصوص التي لم تُطَلِّق بعد المفاهيم و الاعتقادات الكلاسيكية التابعة لحقبة زمنية تاريخية مرتبطة أساسا بالقرن الماضي

في ذات الوقت ـ بشكل تناقضي ـ يولي هؤلاء اهتماما موسعا و مكثفا للنشر الإلكتروني من خلال تطبيقات و - صفحات افتراضية - لـ " التواصل الاجتماعي " و ذلك رغبة في وصول و انتشار أسرع آني و لحظي لأفكارهم و رؤاهم و هواجسهم الفكرية المختلفة. فلو حُذفت أو أُخترقت صفحة أحدهم تجده مستاءا و ربما تعيسا إذا لم يتمكّن من استعادة صفحته " الافتراضية التواصلية الخاصة" . هذا المنحى الجديد للنشر - الفردي - سمح و فتح الباب على مصراعيه و نسف كل الحواجز تقريبا التي كانت تحول بين الناشر و المنشور و المتلقي ( فرادى و جماعات ) و تنظيمات و ملتقيات غير حكومية و نظامية. متطلبات و مقتضيات قرننا و عصرنا الحديث فرضت واقعا - نشريا و إعلاميا - لا يمكن التراجع عنه وفق ما يتطلبه - عصر السرعة - منذ أواخر القرن المنصرم خاضت كما العادة  الدول العظمى و المتقدمة من خلال - استشرافها المعهود الاستباقي - تجربة استثمار العالم الرقمي الإلكتروني و ما تتوفر عليه من إمكانيات و إنجازات تكنولوجية بعد تعميم خدمة " الإنترنيت " المستخدمة لـ " محركات البحث "  فأقحمت عالم الإعلام و النشر في شتى المجالات في " مشاتل " الاستخدام الرقمي للإنتاج الإعلامي و الأدبي و الدعائي و التوزيع لكل أصناف المعلومة و اعتمدتها كبديل عصري و مستقبلي. و سارعت إلى اقتراح و عرض أدوات جديدة بديلة موازية مع البدائل التقليدية القديمة كمرحلة أولى  على أن تصبح بدائلا رئيسية أساسية في المستقبل و ذلك استجابة لمتطلبات و حاجيات الإنسان العصري  الذي صار أكثر جاهزية لتبني سبل و أدوات و وسائل الاتصال الرقمي و التواصل و النشر الإلكتروني، و كانت موجة اكتساح و انتشار قنوات التواصل الاجتماعي و المدونات الخاصة النموذج الذي أعتمدت عليه دراسات أهل الربط و التدبير و الحل و الاستشراف في مجال علوم الاتصال و المعلومة و النشر بكل مجالاته و تخصصاته .

ظهور الكتاب الرقمي و الصحف الرقمية في الوهلة الأولى كان يبدو شيئا غريبا غير مقنعا لتَعَوُّد عموم الناس و المستخدمين في كامل أنحاء المعمورة على طرق و سبل و قنوات و وسائل القرن الماضي. إلا أن حتمية التطور و تحديث هذه الوسائل جعل من التجربة الرقمية الإلكترونية بديلا آنيا و أداة مستقبلية قريبة لا مفر منها.

الأسباب الاقتصادية و اللوجيستية التي كانت ترتبط بهكذا وسائل دفعت بالمهتمين  الدارسين و الباحثين و المرتبطين بهذا القطاع خصوصا في مستهل القرن الحالي  إلى تكثيف الجهود و إيجاد حلول بديلة تخفف من ثقل و أعباء النشر و الحفاظ على ديمومة المشاريع الإعلامية و استمرارها لإثراء و انتشار دون حدود جغرافية المنتوج الإنساني المعرفي الإعلامي و الأدبي . الْيَوْم صار بعد هذه التجربة خصوصا في العالم المتقدم للنشر الرقمي و سوق الكتاب مكانة جد مهمة و فعالة و مؤثرة، فتراجع بشكل محسوس و مُلفت الاستخدام التقليدي للمعلومة و سبل توصيلها إلى الرأي العام المعتمدة بالأساس على الورق

و فرض النشر الإلكتروني نفسه  بقوة كبديل  - بغض النظر على تفاوت مستويات النزاهة و المصداقية و الجودة و الحياد - . سرعة تناول و تنفيذ و توصيل المعلومة تعد من بين أهم العوامل ـ التنافسية ـ  التي أعطت شرعية للنشر الإلكتروني و جعلته يحتل مساحة جد مهمة لدى المستخدمين و المهتمين من كل الشرائح . الكتب و الصحف أصبحت تقرأ على " لوحات إلكترونية " و ذللت سبل الحصول على المعلومة ، في القرن الماضي نذهب و نتنقل للحصول أو البحث عن مقتنياتنا و احتياجاتنا الفكرية الأدبية و الإعلامية و الْيَوْم تم عكس الآية و أصبحت الصحف و الكتب و كل ما هو متعلق بعالم النشر متوفر لدينا  في تطبيق محمل على هواتفنا الذكية و أجهزتنا المحمولة و الثابتة دون أن نتخطى عتبة منازلنا.

هذا مما أجبر صحف كبرى مثلا و باقي الصحف في العالم إلى اعتماد النسخ الإلكترونية لمجابهة معضلة عزوف القرّاء و المهتمين و اختيارهم السبيل الإلكتروني الرقمي للاستفادة و الحصول على احتياجاتهم المختلفة حسب الميولات و الأذواق في ومضات زمنية..  و فقدت الصحف تلك السلطة المطلقة  و المعتقد القديم ( حبر على ورق ) في استحواذ و احتواء القارئ العصري بشكل تام.

هذه الثورة الرقمية الإلكترونية كانت فرصة لبعض الأفكار الجادة و المشاريع الهادفة و الراقية بأن تتخذ من " الرقمنة " الخيار الأنجع و الأسرع لبسط نفوذ - الطرح الإعلامي - على ضوء المعطيات الآنية و التسابق نحو استقطاب أكبر عدد ممكن من المتتبعين و المهتمين بالخطاب الإعلامي و نأخذ على سبيل المثال تجربة الزميل " عبد الباري عطوان " كاتب و إعلامي و رئيس تحرير سابق ليومية " القدس العربي " اللندنية الورقية الذي اهتدى بعد تركه للقدس العربي إلى اعتماد الإعلام و النشر الرقمي الإلكتروني ، فقام بتجربة تأسيس " رأي الْيَوْم " التي وجدت بسرعة إقبالا واسعا في العالم العربي و تقبلا للتوجه الجديد في عالم النشر  الصحفي و التعاطي مع المعلومة و هي أكثر مصداقية و تتبعا من طرف القرّاء على كثير من الصحف و المجلات الورقية . في الشق الغربي تقابلها تجربة رئيس تحرير السابق ليويمة " لوموند Le Monde " العالمية الفرنسية السيد " هرفي إدوي بلانيل"الذي أسس في 2008 صحيفة " مديابارت" Mediapart الإلكترونية و التي ذاع صيتها و خصوصا من خلال تناول ملفات ثقيلة و ساخنة صنعت الحدث ، حيث في كل مرة تعتمد على فضائح شخصيات سياسية نافذة في السلطة في عهد "الجمهورية  الخامسة" ـ فرنسا ـ  . و صارت شعبية الصحيفة الإلكترونية لا يشق لها غبار من خلال ما قدمته في الكشف عن الفساد في هرم السلطة و مواضع النفوذ.

ـ قد يسأل سائل عن "ماهية الفرق أو الفروق " بين الصحيفة الورقية و الصحيفة الإلكترونية، الإجابة هي محصورة في هذه النقاط الرئيسية و على عكس الاعتقاد الراسخ في الأوساط العربية خصوصا " المثقفين و المبدعين" فإن الصحيفة الإلكترونية هي الأسرع وصولا وأكثر إتاحة في التصفح ـ مجانا ـ  و جلب المعلومة و نحن على أرائكنا دون الخروج و التنقل للبحث عن كشك لاقتناء جريدة ورقية ودفع ثمنها.

ـ تعتمد الصحيفة الإلكترونية وسائلا تقنية و لوجيستية و بشرية بأقل بكثير من الوسائل المستخدمة لدى الصحف و المجلات الورقية. لكنها لها هي أيضا مصاريف خاصة لضمان استمرار الصحيفة وصيانة العتاد  كـ " السيرفير " الخاص لإيواء الموقع  و استمراره و  استمرار التحديثات الدورية المتعلقة بالصحيفة، بالإضافة إلى أجور العاملين فيها و المتعاملين معها في الإطار الإعلامي. 

نسبة الاحتمال لتوقف الصحيفة الإلكترونية و حجبها عن الصدور هي أقل بكثير و ربما تكاد تكون ضئيلة جدا مقارنة بنسبة دوام و تعمير و استمرار الصحيفة الورقية المعرضة دائما للتهديد من طرف المطابع  بالتوقف إذا توقف الدعم المادي و اللوجيستيكي من طرف هيئات و منظمات و حكومات. عنصر المال و الدعم يؤثر في غالب الأحيان من توجه الصحف الورقية ويؤثر في توجهات و خطها و ينقص من مصداقية المحتوى و نزاهته بحكم عدم استقلالية رؤوس المال التي تعتمد عليها الصحف الورقية و التي تواجه دائما ايتزازا مقابل نشر توجهات و آراء تخدم أكثر جهات و سلطات و أنظمة ربما على حساب الرأي العام بمختلف مشاربه. 

ـ تتمتع الصحف الإلكترونية بمساحة أكثر للحرية و التنصل من لوبيات المال الحكومي أو الخاص ؛ هذا لا ينفي وجود كثير من المنابر الإلكترونية التي تقع في قبضة أصحاب المال و النفوذ  وجهات نظامية عسكريجة أو مدنية و استخذماها كوسائل و أداة للدعاية و الدعاية المضادة.

ـ لا يمكن أن نقول في وقتنا الحالي و نسلّم بأحكام جاهزة بأن  النشر في الصحف الورقية هو أحسن و أفضل فهذا تصور و اعتقاد خاطئ؛ بحيث ـ إعلاميا ـ العنصر الفيصل هو الالتزام و المصداقية في تناول المواد المنشورة  المختلفة بما في ذلك الأخبار و التعاطي معها. البقاء للأصدق و للأسرع و الأنزه و للأجود.

ـ كما لكل شيء إيجابياته و سلبياته . للتوضيح و التأكيد تفاديا للإلتباس و الخلط لا يمكن اعتبار الصفحات الخاصة في عالم الافتراض و المدونات الخاصة و الصفحات الفايسبوكية اللامحدودة و التي تحمل مسميات عديدة و ـ تنتحل ـ صفة "الصحيفة أو المجلة" و تقدم نفسها لقراء الافتراض على أنها صحفا و مجلاتا؛ لأن هذه الصفة يجب أن تكون معتمدة لدى جهات مختصة و يكون طاقم الصحيفة أو  المجلة و مؤسسيها لهم كفاءات إختصاصية في الإعلام و الصحافة على مستوى كل بلد.. فما أكثر العناوين التي أغرقت و تُغرق يوميا " النيت ـ الشبكة العنكبوتية " المتمخض عنها شبكات التواصل والتي اخترقت باسم " النشر الإعلامي"  و هذا المجال ضاحكة عن جهل أو عن قصد تضليلي على أذقان من لا يفقه في هذا الإختصاص شيئا! المرحلة الحالية و تلك القادمة ستحتم على الجميع أينما وجدوا بتبني شامل للنشر الرقمي و الإلكتروني، مازال الكتاب الورقي مثلا يصارع و يقاوم "الحداثة الرقمية" لكنه سيجبر مستقبلا على أن يصبح جزءا لا يتجزأ من تراث البشرية و الإنسانية، بحكم تعميم مستقبلي للنشر الإلكتروني على كل القطاعات الإتصالية و التواصلية و الإبداعية. 

ـ الفيصل التحرير المركزي ـ باريس (ل .خ)

ــــــــــــــــــ

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الأحد, 16 كانون1/ديسمبر 2018

وسائط